لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
72813 مشاهدة
ذكر الحكم والعبر في بعض مخلوقات الله تعالى

...............................................................................


كذلك أيضا بقية المخلوقات فيها أيضا عظة وعبرة.
مر بنا ذكر الرياح التي يرسلها الله تعالى كما يشاء هذه من آيات الله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ فهذه الرياح آية من آيات الله لا يرسلها إلا الله، ولا يوقفها إلا هو.
مر بنا أيضا من آيات الله إنشاء هذه السحب الكثيفة المتراكمة التي تحمل المطر كثيرا أو قليلا، ويسمع لها هذا الصوت صوت الرعد، ويرى هذا البريق الذي هو البرق آية من آيات الله، لا يقدر على إنشائها إلا الله، يرسلها إلى ما يشاء. فتارة يحصل بها الغرق، وتارة يحصل بها المطر، وتارة يحصل بها نوع من المطر وإن كان قليلا، ويصرِّفها الله تعالى ويرسلها حيث يشاء إلى هذه البلدة والتي إلى جانبها لم يصبها شيء آية من آيات الله.
كذلك أيضا مر بنا الكلام في هذه النجوم التي يسيرها الله تعالى، ويرسلها. يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هذه من فوائدها. كذلك أيضا من فوائدها: معرفة الأوقات؛ معرفة الشتاء والصيف والربيع والخريف، معرفة الأوقات التي يكون فيها برد أو حر أو يكون فيها مثلا غرس للأشجار أو بذر للبذورات أو ما أشبه ذلك، فيكون فيها أيضا عبرة لمن تأمل فيها وفي سيرها كما تقدم. هذه مثلا تسير سيرا حثيثا، وهذه تسير ببطء، وهذه لا تسير إلا إلى نصف الجو، ثم تتراجع آية وعبرة.
وكذلك أيضا مر بنا كلام حول الشمس والقمر، وكيف سخر الله تعالى هذه الأفلاك وسيرها بحيث أن هذه الشمس تطلع كل يوم وتنير على ما طلعت عليه، وأن هذا القمر ينير إذا كان في وسط الشهر نورا ساطعا ظاهرا يستضيء به الناس، ويسيرون في ضوئه؛ آية من آيات الله وفيها أيضا فائدة معرفة الحساب وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ .
وهكذا أيضا خلق السماوات والأرض. كيف خلق الله هذه السماوات بهذا الارتفاع، وأخبر بأنها سبع سماوات، وأن كل سماء فوقها أخرى إلى سبع، وكذلك خلق هذه الأرض الأرض التي نحن عليها، والتي نشاهد اتساعها ونشاهد ما فيها أيضا من الآيات. إذا سرت فيها وجدت أو رأيت عجبا تسير وقت طويلا في أرض صحراء، ثم تنتقل إلى أرض رملية، ثم تنتقل إلى أرض حارة فيها حجارة منبثة على الأرض، ثم تنتقل إلى أرض جبلية بها جبال واطئة، ثم إلى جبال مرتفعة شاهقة، وكل ذلك في أرض واحدة. لا شك أن هذا أيضا آية من آيات الله عبرة لمن تذكر واعتبر.
وكذلك أيضا إذا نظرت إلى هذا النبات الذي تنبته هذه الأرض، فينبت كما شاء الله تعالى فتُنبت الأرض هذه أعشابا لا تنبتها الأرض الأخرى، وينبت في الصيف ما لا ينبت في الشتاء أو ما لا ينبت في الربيع، واللقاح واحد الذي هو الماء، والأم واحدة التي هي الأرض قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، هكذا مد الأرض وجعل فيها أنهارا أي: أنهار جارية يجري معها الماء يجريه الله تعالى من مكان لا يعلم به غيره، ويخبر تعالى بأن هذه عبرة وموعظة لمن يتعظ بها ويتذكر.
وإذا تأملنا في هذه المخلوقات عرفنا أن الذي خلقها هو رب العالمين، وأنه ما خلقها عبثا قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ الذين يعتقدون أنها خلقت باطلا، أو أنها أوجدت نفسها، أو أن الذي توجدها الطبائع أو ما أشبه ذلك. هؤلاء هم الخاسرون الذين سلبوا عقولهم، أو صرفوا عقولهم إلى أمور تافهة دنيوية لا تسوى من يهتم بها.
فنتواصى بأن نكثر من التأمل والتفكر في آيات الله وفي مخلوقاته.
ورد في حديث ذكره ابن كثير عند تفسير هذه الآية من سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أنزلت عليه بكى تلك الليلة حتى أخضل لحيته فسألته عائشة ما هذا البكاء؟ فقال: أنزلت علي هذه الآيات التي فيها الأمر بالتفكر وفيها أنها آيات لمن يتفكر: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ أي: لأصحاب العقول الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
ثم قال: ويل لمن قرأهن ولم يتفكر فيهن. وعيد وسئل بعض الرواة كيف نخرج من هذا الوعيد حتى نسلم من هذا الوعيد؟ فقال: أن يقرأهن وهو يعقلهن. يعني: كلما مررت بهذه الآيات فإنك تقرأها وأنت حاضر العقل وأنت متأمل متفكر فيها، لا تمر عليها وأنت غافل ساه منشغل القلب فإن في ذلك تعرض لهذا الويل. وما أكثر الذين يقرءونها وهم غافلون عنها، أو تقرأ عليهم وتقرع مسامعهم وهم لا يتفكرون فيها ولا يتذكرون إذا تفكروا.
والآن نواصل القراءة.